Sunday, January 11, 2009

مصر التي في لندن.. وغزة التي تحترق

الروائية أهداف سويف تكتب لـ «البديل»و«الجارديان»
مصر التي في لندن.. وغزة التي تحترق

تكتب الروائية أهداف سويف هذا المقال لـ«البديل» وصحيفة «الجارديان» البريطانية،وتنشره الجريدتان بلغتين مختلفتين في الوقت نفسه. في هذا المقال تربط سويف بين افتتاح المتحف البريطاني في لندن قاعة مصرية جديدة اليوم وبين الوضع المصري في الداخل وتلقي الكاتبة بهدوء شديد في مقالها أحجاراً عديدة في المياه الراكدة، وتعطيه الفرصة ليعيش نفس اللحظة في عالمين مختلفين أحدهما ـ في إنجلترا ـ حيث يلتف الزوار حول مومياوات لملوك مصر القديمة ويقرأون رسائل من حكام غزة وعكا إلي الفراعنة يطلبون منهم العون لمواجهة غزو من خارج البلاد، أما في العالم الآخر ـ مصر ـ فتقرأ الروائية مشهداً جديداً لمصر غير ذلك الذي يقدمه المتحف البريطاني، حيث تنتشر قوات الشرطة في محاولات مستمرة لمنع مظاهرات الغضب علي اجتياح غزة التي تعم جميع المحافظات منذ بداية العدوان الإسرائيلي علي القطاع في 27 ديسمبر الماضي.

وتنشر «البديل» نص المقال لتتيح للقارئ المصري فرصة أن يري بلده من زاوية أخري، وبطريقة تربط العام بالخاص، والماضي المجيد الذي يحتفي به العالم بالحاضر الذي يحاصر فيه الجنود الآلاف الغاضبين الذين يطالبون بعودة مصر لدورها التاريخي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة.

في المتحف البريطاني رسائل من حكام غزة وعكا تستغيث بفراعنة مصر لصد الغزو.. وعلي كوبري 15 مايو ينتشر الجنود لمنع مظاهرات الغضب
القاعة المصرية الجديدة في المتحف أسسها يهودي بريطاني من أصل سوري عاش في مصر وكرمته إسرائيل باعتباره أحد المساهمين في ربطها بالاقتصاد العالمي
سفارات مصر تحولت إلي هدف للغضب العالمي.. وحكومتنا غير الشعبية فتحت المعبر لساعات وواصلت إمداد إسرائيل بالغاز والبترول
يقلقني عرض مومياوات ملوك مصر العظام كسجناء في القاعات الباردة .. والآثار الفرعونية في متحف لندن دليل علي هزيمة مصرية

يفتتح المتحف البريطاني بلندن، في عشرين يناير الحالي، قاعة مصرية جديدة، في غرفته رقم 61، يعرض فيها بعض أجمل ما خرج من مصر من لوحات فنية. حصل المتحف علي هذه اللوحات - أو بالأصح هذه الأجزاء من جداريات كبيرة تعود بالتقريب إلي عام 1350 قبل الميلاد - في عام 1922، وعرضها عرضا مستمرا إلي أن رفعت في عام 1997 لتجري لها أكبر عملية صيانة قام بها المتحف في تاريخه. اللوحات مشهورة، وسيتعرف الكثيرون علي الشاب الرياضي الطويل، الذي يصطاد البط بينما يتعلق ابنه بساقه، وعلي عازفات الموسيقي الأربعة، وعلي الراقصات. أما الجديد فهو الاتجاه الذي يتبناه هذا العرض.

أعترف أنني لم أحب أبدا القاعات المصرية في المتحف البريطاني. أولا تقلقني مسألة عرض المومياوات، سواء في لندن أو القاهرة - ولن أطيل في هذا لأني أدرك أنها تجتذب جمهورا كبيرا. المعروضات كلها (وبالذات المومياوات - ما علينا) مغتربة بشكل مؤلم. عظماء الملوك من خمسين قرناً مضت يقفون، موحوشين، سجناء، في القاعات المظلمة الباردة. لكل منهم، عوضا عن الخمسة أسماء العالية التركيب والدلالة، بطاقة صغيرة، تحمل اسما محرفا إلي اللاتينية، خاليا من المعني. كل واحد من هذه التماثيل قام عليه نحاتون وفنانون، ووضع بدقة وتصميم في قصر أو معبد لغرض ينفيه تماما وضعه الحالي. في مصر، حين نري الآثار الفرعونية، حتي المخرب منها، هي جزء من المكان، أما هنا، في المتحف البريطاني، فهي غنيمة فائز ودليل ملموس علي هزيمة مصرية.

وفي مرة من المرات تبعت مرشدا يقود مجموعة من السياح في القاعة المصرية، وكان يستحثهم علي ازدراء السيدات المصريات بفساتينهن القطنية الخفيفة، وأقماعهن الشمعية المعطرة. ظل يشجع السيدات الأمريكيات، وهن متعجبات، أن يمروا ذهابا وإيابا أمام تمثال سخمت (وسخمت، كما نعلم، هي الوجه الآخر، الوجه الغاضب والمدمر لحتحور، إلهة الحب والجمال والأمومة) ويقول: كان المصريون يخافونها، لكنها لا تستطيع أن تؤذيكم. مروا، مروا.. لم يكن مرشدا تابعا للمتحف، ومع ذلك.

وأمين القاعة الجديدة هو ريتشارد باركنسون، الأمين المساعد للحضارة الفرعونية بالمتحف. توجهات باركنسون ومواقفه تعالج هذه المآخذ، فهي توجهات متعاطفة، ومبدعة، ومهنية، وتنتمي بالتأكيد إلي عصر ما بعد الاستعمار. يتخصص باركنسون في شعر العصر الكلاسيكي لمصر القديمة (1940 إلي 1640 ق م) وقرأت له من عدة سنين بحثا قوامه وجوب التعامل مع أدب قدماء المصريين علي أنه أدب رفيع وليس مجرد مادة للبحث الإثنوغرافي. ورأيه أن تذوق هذا الشعر مشروط بتصوره يغني أو ينشد، فعليك فقط أن تعي الفرق بين قراءة كلمات أغنية لأم كلثوم مكتوبة علي الورق، وسماع الأغنية بصوتها، لتدرك حجم ماينقصنا حين نقرأ هذا الشعر المصري مكتوبا.

والآن، وفي الغرفة 61، يحاول باركنسون أن يستعيد السياق الأصلي للوحات، ليشعر المتفرج بخبرة أقرب ماتكون إلي دخول مدفن نب آمون، المفقود الآن في البر الغربي للأقصر. تري علي الكمبيوتر المنظر الخارجي للبيت والحوش، ثم تدخل إلي اللوحات الجدارية: نب آمون في رحلة الصيد، الحفل والمأدبة، الفرقة الموسيقية والراقصات وضيوف الحفل بملابسهم الفاتنة، نب آمون يعاين المحصول وتمر من أمامه المواشي، إلي آخره. قيل عن هذه اللوحات أن من رسمها يستحق لقب »مايكل آنجلو العصر القديم»، وفي كتابه المرافق للمعرض الجديد يشرح باركنسون سبب هذه المقولة.

للمدفن دائما مواصفات محددة، فواجهته الخارجية ترحب بالقادم، وبه غرفة أو غرفتان (أو أكثر) لزيارة الأسرة والتلاوة، والتصدق، ثم غرفة تحت الأرض للدفن. وفي حدود هذه المواصفات، للمهندس والفنان أن يطلق العنان لخياله. وفي مدفن نب آمون نري الناتج المبهر للتصميم البارع والتنفيذ المتقن للمكان بكل تفاصيله. يشير باركنسون إلي موضع المأدبة ومائدة الصدقات، وكيف أنه الموضع الذي يستقبل أول أشعة للشمس، كما يشير إلي وضع أكثر أجزاء الرسم حرفية وبراعة (مشهد القط الصياد، أو مشهد قافلة الأوز مثلا) علي مستوي عين المشاهد. ويشرح باركنسون كيف يصل فنان 1350 ق م إلي التأثيرات التي يبتغيها، مثل تركيز الاهتمام علي الشخصية الرئيسية ـ نب آمون ـ بإضاءتها بشكل مغاير، وذلك بطلاء جسده بطبقة من اللون الأبيض الناصع قبل طلائه بطبقة أخف من الأحمر المعتاد، أو مثل جذب النظر إلي شعر ووجوه السيدات بطلائها بطبقة خفيفة من شمع النحل.

ومن أكثر مايمس القلب في هذا المعرض أنه يريك الفنان أثناء العمل، ففي الموضع الذي أزال فيه الزمن جزءا من طبقة اللون الأبيض المستعملة لخلفية اللوحة، نري أرجل المقعد الذي ألغاه الفنان مثلا، أو الرسم الأولي لعصا نب آمون التي نقلها الفنان إلي موضع آخر أقرب إلي جسده. ويقول باركنسون إن هذه التعديلات كانت دائما في اتجاه أن يكون التكوين الفني أكثر إحكاما، واللوحة أكثر غني.

لابد أن نب آمون قد سر بمدفنه الجديد. وجد الرجل أنه في وظيفة مرموقة بقسم الحسابات في الكرنك، ومتزوج من «سيدة البيت، التي يحبها»، وأنعم الله عليه بولد واحد علي الأقل، فأصبح في وضع يسمح له ببناء مدفن لائق. ويركز التعليق المكتوب حول هذا المعرض تركيزا مبالغا فيه، في اعتقادي، علي أن هذه اللوحات ترسم صورة «مثالية» لطبقة «النخبة»، وأنها تمثل الطموح إلي نمط حياة لم يصل له أغلبية المصريين. فهذا القول ينطبق علي أي لوحة يرسمها لأنفسهم أفراد الطبقة الميسورة في أي مجتمع مستقر، ومصر في عام 1350 ق م كان لديها الكثير من دواعي الاستقرار والرضا.

إنه عصر أمنحتب الثالث. بعد بضع سنوات سيغير ابنه، أمنحتب الرابع، اسمه إلي «إخناتون»، ويشعل الأزمة التي تكاد تقضي علي الدولة المصرية. لكن هذا لم يحدث بعد. اليوم، ونب آمون يبني مدفنه، تستمتع مصر بانتعاش اقتصادي كبير، وبعلاقات خارجية غير مسبوقة، وتشيد مشروعات معمارية كبري، فهي في قمة من قمم مجدها المتجدد. وكان تحتمس الثالث (قبل مائة عام) قد قاد حملات ضد القبائل المغيرة علي الحدود، فأمن الحدود المصرية عند الشلال الرابع جنوبا، ودخل سوريا، وامتد نفوذ مصر فكون إمبراطورية، عالمية في وقتها.

ولتحتمس مقوله بأن رع، الذي كان يشرف فقط علي وادي النيل، هو «الإله الذي يري الأرض كلها في كل ساعة». لم تكن طيبة قلب الإمبراطورية النابض فقط، بل كانت عاصمة كونية. والكرنك مركز إدارتها، ونب آمون يشرف علي جزء من الثروة المتدفقه إليه ومنه.

المدفن اللطيف، الرحب والآهل، هو أحد مظاهر محاولات الإنسان المصري الدائمة للتعايش مع الموت. وفي هذه اللحظة من التاريخ المصري بني نب آمون مدفنا يشع بالتفاؤل والأريحية التي اتسمت بهما اللحظة، فحق السؤال: أي موت هذا الذي يزخر هكذا بالحياة؟
يقول ريتشارد باركنسون إن هذه القاعة الجديدة تقدم معروضاتها علي أنها فن رفيع، وتأمل أن تبدأ حوارا بين الماضي والحاضر، وتحظي بدعم كامل من رئيس المتحف، نيل ماجريجور، حيث تتمشي مع رؤيته لرسالة المتحف، وهي رؤية نجحت في اجتذاب 6 ملايين زائر سنويا إلي المتحف تحت إدارته، وساعدته في التخلص من عجز في الميزانية ورثه عند توليه المنصب في عام 2002، وصل إلي 5 ملايين إسترليني.

يؤمن ماجريجور بأن المتحف البريطاني أسس ليفاد منه العالم أجمع، وهو يعمل للعودة بالمتحف إلي المبادئ التي أقرها له البرلمان البريطاني عند تأسيسه عام 1735 وهي «أن يتيح للزائر أن يتأمل العلاقات الدولية، والأوضاع السياسية، من خلال ما يراه من معروضات قديمة وحديثة». والواقع أن القاعة الجديدة تعتبر في بؤرة إشكاليات العلاقات الدولية والأوضاع السياسية اليوم. ومن حسن الحظ أن ماجريجور يري أن المتحف، بصفته مؤسسة عامة، عليه أن يساعد رواده علي «فهم العالم من خلال الماضي ومن خلال مايحدث الآن»، فهذه القاعة تمثل فرصة ذهبية للتعلم والفهم، بدءا بالبحث في كيفية حصولها علي المعروضات، مرورا بتمويلها، وحتي تسميتها.

ومن المفارقات العجيبة أن «الرسالة» الأخري التي تصلنا من عام 1350 ق م ـ إلي جانب لوحات نب آمون ـ هي «مراسلات العمارنة»، وهي مجموعة من نحو 300 رسالة، مكتوبة علي ألواح الفخار، كانت محفوظة في الأرشيف الملكي في مدينة إخناتون (تل العمارنة الآن)، وهي في أغلبها مراسلات من ملوك وقادة كنعان إلي فرعون مصر، وترسم صورة لعلاقات مصر بفلسطين عبر نحو 30 عاما، وباهتمام مصر بالذات بمدن الساحل الغنية بالتجارة مثل غزة وعكا. ومن هذه الرسائل مكاتبات تطلب العون من مصر في مواجهة غزاة من خارج البلاد!

أكتب هذا المقال من القاهرة. من نافذتي أري كوبري 15 مايو، والمرور فيه بطيء لوجود لجنة من الأمن تضيق أحد مخارجه كجزء من محاولات الحكومة السيطرة علي المظاهرات التي تعم البلاد. أطفأت التليفزيون لأني أحاول الانتهاء من كتابة هذا المقال. بدأته عند زيارتي للقاعة 61 في أوائل ديسمبر، وأحاول الانتهاء منه الآن، فأحاول أن أركز، وألا ألتفت إلي ما يحدث، إلي الأخبار، وإلي المظاهرات، وإلي سبب المظاهرات: إلي غزة.

حين أطفأت التليفزيون في الساعه الثانية والنصف، كانت إسرائيل قد قتلت، في الأربع والعشرين ساعة السابقة، 77 فلسطينيا، بينهم 9 نساء و12 طفلا. وبعكس صمت الحكومات فالمظاهرات المساندة لأهل غزة تجتاح العالم. وفي أماكن عدة، كانت السفارة المصرية هدفا للمتظاهرين إلي جانب سفارات الولايات المتحدة وإسرائيل. وتحت الضغط الشعبي الهائل وافقت حكومتنا (غير الشعبية) علي فتح المعبر مع غزة عددا محدودا من الساعات لنقل أخطر المصابين. لكنها تستمر في بيع البترول والغاز لإسرائيل بأقل من سعر السوق، وتستمر في اعتقال المعترضين.

القاعة الجديدة، كما أسلفت، تقع عند نقطة التقاء التيارات الشتي المكونة لهذا الإعصار السياسي. فالظروف السياسية التي أدت إلي حصول المتحف البريطاني علي هذه اللوحات، والتي تؤدي اليوم إلي عرضها، هي نفسها التي أدت أيضا إلي ما يحدث اليوم في غزة. وكان «اهتمام» القوي العظمي الأوروبية بمصر والأراضي المقدسة منذ أوائل القرن التاسع عشر، والعنصرية المتأصلة التي بموجبها رأوا أن لهم أن يتصرفوا كما يريدون في أراضي وتاريخ أهل المنطقة، وجهل الحكام المحليين، وعدم اكتراث السلطان في إسطنبول، كلها عوامل شكلت تلك الظروف السياسية.

وكتاب باركنسون، في الواقع، يصف كيف هاجم الرجال الذين استأجرهم هنري سولت، القنصل البريطاني، جداريات نب آمون «بالمناشير والسكاكين، يحددون مستطيلات من الجدار ثم يرفعونها عنه بالأزاميل». وكانوا يدمرون أجزاء كثيرة في محاولاتهم رفع جزء بعينه. في الصفحة 14 نري شابة تجلس إلي جانب صديقتها في حفل نب آمون، ينشر المنشار في رأسها، فيقطع ساق زهرة اللوتس التي تتزين بها، ثم الربطة المطرزة علي جبهتها، وينزل ليقطع وراء أذنها، وعلي رقبتها ينقسم إلي دلتا من الدمار ينزلج أحد فروعها علي صدرها ورقبتها، ويمتد الآخر عبر كتفها إلي صديقتها في وحشية مذهلة.

وفي لحظة تالية في نفس الظرف السياسي التاريخي نري مجموعة أخري من البريطانيين والفرنسيين يقطعون ويقسمون أراضي الإمبراطورية العثمانية المهزومة. لم يكن بوسعهم أن يشحنوا هذه الشظايا إلي بلادهم، لكنهم ظنوا أنهم امتلكوها، إلي حد أنهم تبرعوا بواحده منها: فلسطين. ومازلنا نعيش تداعيات أفعالهم.

ويرتبط تمويل القاعة الجديدة في الغرفة 61 في المتحف البريطاني بهذه اللحظة السياسية أيضا. فالقاعه تتمتع بالدعم المالي السخي من مؤسسة «راء وسين كوهين» التي أسسها السير رونالد كوهين وزوجته شارون هاريل كوهين، وقد أطلق عليها «قاعة مايكل كوهين"، وهو الشكل الإنجليزي لإسم والد السير رونالد: ميشيل مراد كوهين، وكان يهوديا من سوريا، عاش في مصر ثم تركها عام 1957 في أعقاب العدوان الثلاثي، حيث تواطأت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل علي مهاجمة مصر. والسير رونالد نفسه (وقد أنعم عليه باللقب بناء علي ترشيح حكومة توني بلير) ولد في مصر، وكان في الحادية عشرة من عمره حين غادر مع العائلة. وهو ملقب بـ «أبو الرأسمالية المغامرة»، ويهتم بأمور الشرق الأوسط. يقول: «إذا نظرت إلي تاريخي: مولود في مصر، ثم لاجئ، ومتزوج من إسرائيلية هي ابنة قائد الإكسودوس (الباخرة التي نقلت عددا من اليهود من أوروبا إلي فلسطين أثناء الحرب العالمية الثانية) هناك رابطة طبيعية بيني وبين المنطقة. أستطيع أن أتعاطف مع العالم العربي إلي درجة أعلي من الشخص العادي، وفي نفس الوقت أستطيع التعاطف مع الإسرائيليين»، وفي عام 1998 كان السير رونالد ضمن مجموعة منتقاة قدمت لها إسرائيل أرفع جوائزها، «جائزة اليوبيل"، معترفة به كـ «أحد أصحاب الرؤية الذين ساهموا في ربط إسرائيل بالاقتصاد العالمي وتحقيق إمكانياتها في مجال الأعمال».

وفي عام 2005 أسس السير رونالد الـ «بورتلاند تراست» لمساعدة الفلسطينيين علي «بناء اقتصاد قوي.. مبني علي درجة عالية من الاعتماد المتبادل بينهم وبين إسرائيل». وبالرغم من أن الأمم المتحده تقول صراحة إن سياسة إسرائيل في الحصار وفرض الحواجز هي السبب الأساسي في تدهور الأحوال الاقتصادية لمدن فلسطين، إلا أن السير رونالد، بتفاؤل رجل الأعمال، يتساءل إذا كان من الممكن أن «ننظر إلي الحواجز بنظرة جديدة، فنري فيها مواقع للتبادل الاقتصادي بدلا من الاقتصار علي الأمن؟».

إن السياق التاريخي السياسي الذي قسّم وأتلف جداريات نب آمون، والذي جعل من رونالد كوهين لاجئا، هو الذي يسمح بقتل أطفال غزة اليوم. أين يذهب بنا بعد هذا؟ لقد نجح المتحف البريطاني في هذه القاعة، التي استغرق التخطيط لها، وتمويلها وتنفيذها عشر سنوات، في استخلاص نتائج إيجابية من نب آمون ومن رونالد كوهين. أما أطفال غزة، فالكلمات تعجز.

هل لنا أن نتعلم؟

إذا كان التعليم رسالة المتحف البريطاني، هل تستطيع هذه القاعة المهداة إلي ميشيل مراد كوهين، اليهودي السوري الذي استوطن مصر، من ابنه البريطاني، هل تستطيع أن تعلمنا شيئا عن أنفسنا؟ وعن التاريخ؟ شيئا يساعد علي وقف هذه المجازر؟

www.ahdafsoueif.com

No comments: